مقالات وكتابات

الوحدة اليمنية: منجز حضاري في مهب الصراعات السياسية

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) الأربعاء 21/مايو/2025م

بقلم/ أ. فؤاد باربود

في كل عام تحل علينا ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو، في لحظة وطنية لا ينبغي أن تمر كحدث عابر، بل تستوجب الوقوف عندها بوعي عميق، وإعادة قراءة معانيها ومآلاتها في ظل التحولات والتحديات التي تعصف بالبلاد.
لقد جاءت الوحدة اليمنية عام 1990 كتتويج لنضالات طويلة خاضها اليمنيون في الشمال والجنوب، ضد الاحتلال والاستبداد والتشطير، من أجل وطن واحد جامع لكل أبنائه، يقوم على قيم العدالة والمواطنة والمشاركة السياسية، لا على ثقافة الغلبة أو الإقصاء. لم تكن الوحدة مجرد قرار سياسي عابر، بل كانت تعبيرًا عن حقيقة تاريخية عميقة، وهوية وطنية متجذرة، تشكلت عبر قرون من التفاعل السكاني والثقافي والجغرافي.
لكن رغم عظمة المنجز، فإن الإخفاق في إدارة الدولة بعد الوحدة بعقلية الشراكة والعدل هو ما أدى إلى تشوهات سياسية واقتصادية فتحت الباب واسعًا أمام مشاريع التشظي والانفصال. وهنا يجب أن يكون واضحًا أن الوحدة لم تفشل، بل فشلت السلطة في إدارتها بعقلية الدولة لا بعقلية الغنيمة. فمن يرى في الانفصال حلاً، عليه أن يتأمل فيما قدمته المشاريع الانفصالية من حلول: هل كانت سوى بوابة للفوضى، والتفكك، والانهيار الاقتصادي والاجتماعي؟
ما نحتاج إليه اليوم ليس التباكي على وحدة مهددة، ولا التمترس خلف شعاراتها دون مضمون، بل مشروع وطني جامع يعيد الاعتبار للفكرة، فكرة أن اليمن لكل أبنائه، وأن لا مجال لحكم فرد أو جماعة أو منطقة على حساب الآخرين.
الوحدة لا تُقاس بوجود علم أو نشيد وطني، بل بمدى شعور المواطن – في أي بقعة من اليمن – بأنه شريك في السلطة والثروة، وأنه محترم الحقوق والكرامة، وأنه ليس مهمشًا أو مستبعدًا. من هنا تبدأ الوحدة الحقيقية: وحدة الشعور والانتماء والمصير.
إن أي محاولة لإعادة تقسيم اليمن اليوم، هي ليست فقط رجوعًا إلى الوراء، بل انتحار وطني معلن. فالمخاطر الخارجية والمتربصون بوحدة اليمن كثر، ولا شيء يسرّ أعداء الوطن أكثر من أن يروا اليمنيين ممزقين، يتصارعون على الحدود الداخلية، بدل أن يتكاتفوا لاستعادة الدولة وبنائها.
ختامًا، علينا أن نعيد قراءة مفهوم الوحدة، لا كمجرد ذكرى، بل كمسؤولية وضرورة تاريخية. وأن نتعلم من أخطاء الماضي لنؤسس لوطن يستوعب الجميع، ويحقق طموحاتهم في الحرية والكرامة والتنمية، تحت مظلة وطن موحد، عادل، وحر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى