مجلس النواب اليمني مؤسسة شكلية في واقع مضطرب

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) الثلاثاء 22/يوليو/2025م
حدد المفكر صامويل هنتنغتون أربعة معايير لقياس قوة المؤسسات السياسية: التكيّف، والتعقيد، والاستقلالية، والتماسك وعند إسقاط هذه المعايير على مجلس النواب اليمني، يظهر بوضوح مدى ضعف هذه المؤسسة وتحولها من كيان فاعل إلى مجرد واجهة شكلية رمزية .
اولا التكيف : كلما ارتفع مستوى التكيف في أي تنظيم أو إجراء، دل ذلك على مستوى مؤسساتي متقدم، حيث يعد التكيف صفة مكتسبة تنمو من خلال التفاعل مع التحديات ومن العوامل المؤثرة في هذه العملية عامل الفترة الزمنية فكلما امتد عمر المؤسسة في بيئة مستقرة، ازدادت احتمالية ترسخها وبقائها
وعند إسقاط هذا الإطار على حالة مجلس النواب، نجد مفارقة واضحة
فرغم أن المجلس يمتلك عمرا زمنيا طويلا كمؤسسة دستورية، إلا أن ضعف تفاعله مع التحولات السياسية بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014 يعكس محدودية قدرته التكيفية إذ لم يعقد منذ ذلك الحين سوى جلستين فقط (في سيئون 2019 وعدن 2022) وهذا الجمود المؤسسي مؤشر على تصلب بنيوي يضعف من مؤسساتيته
ورغم محاولات المجلس المتأخرة للتكيّف مع الواقع الجديد – مثل تشكيل لجان برلمانية لمراقبة السلطات المحلية في المحافظات المحررة – فإن تلك المحاولات اصطدمت بمقاومة ورفض بعض القوى السياسية ، ما يكشف هشاشة قدرته على التكيّف في بيئة سياسية وأمنية معقدة وهذا يؤكد أن التكيف ليس فقط مرتبطًا بالعمر الزمني، بل يتطلب أيضًا مرونة بنيوية واستقلالية في القرار، وهي عوامل يفتقر إليها المجلس حاليا .
ثانيا التعقيد : كلما زاد التنظيم تعقيدا ازداد مستواه المؤسساتي، إذ تتيح الهياكل المتعددة مثل اللجان المتخصصة والوحدات الوظيفية المختلفة قدرة أكبر على الاستجابة للمتغيرات، بشرط أن تعمل هذه الوحدات بتناغم وتنسيق وظيفي
لكن في الإطار اليمني، يمتلك مجلس النواب من الناحية النظرية قدرا من التعقيد التنظيمي، يتجلى في لجان برلمانية متخصصة وهيئة رئاسية وكتل برلمانية ، وهو ما قد يُفترض أن يمنحه مرونة وظيفية وقدرة على مواجهة التحديات السياسية المتغيرة.
لكن هذا التعقيد، ورغم وجوده في الشكل، لا يترجم عمليا إلى أداء مؤسساتي فعال بسبب شلل تلك الهياكل بفعل تعليق عمل المجلس وتشتت أعضائه في ظل الانقسام السياسي
إن محاولة تشكيل لجان ميدانية مؤخرًا قد تُعد من حيث الشكل استعادة جزئية لهذا التعقيد، إلا أن ضعف الموارد ورفض بعض القوى السياسية يجعل هذه المحاولة قاصرة عن إعادة الحيوية للمجلس كمؤسسة وهذا يؤكد أن التعقيد التنظيمي لا يكفي بحد ذاته لرفع المؤسساتية ما لم يرافقه تكامل وظيفي واستقلالية عملية تُمكّن تلك الهياكل من أداء أدوارها بفاعلية .
ثالثا الاستقلالية : يُعد الاستقلال التنظيمي أحد أهم مؤشرات المؤسساتية، إذ يعكس قدرة المؤسسة على حماية قراراتها وبناها من التأثيرات الخارجية والداخلية غير المؤسسية
فعندما تفتقر المؤسسة إلى مقومات الاستقلال المالي والقرار السياسي تصبح أكثر عرضة للاختراق لا سيما من قبل فئات أو قوى سياسية أخرى تسعى لتطويع المؤسسة أو تعطيلها.
وفي هذا المحور، يمثل مجلس النواب اليمني نموذجًا واضحًا لمؤسسة انهارت استقلاليتها رغم كونها الجهة الدستورية الوحيدة المنتخبة في البلاد إذ لا يمتلك المجلس ميزانية مستقلة تضمن حريته التشغيلية، ولا بيئة سياسية آمنة تتيح له الانعقاد، خاصة مع منعه من الاجتماع من قوى سياسية مما أدى إلى تشتت أعضائه جغرافيا وسياسيا، وتحول المجلس من مؤسسة مستقلة إلى كيان معطل فاقد لأدوات الفعل، ما جعله عرضة للضعف و للتهميش والتجاوز.
رابعا التماسك : وكلما ازداد التنظيم وحدة ولحمة بين أفراده، ارتفع مستواه المؤسساتي، فالتماسك الداخلي يمثل حجر الأساس لاستمرارية وقوة أي مؤسسة وعلى العكس، يؤدي التفكك والانقسام إلى تراجع المؤسساتية وضعف القدرة على الأداء والاحتفاظ بالوظائف المؤسسية
في ضوء ذلك، يظهر واقع مجلس النواب اليمني تباينًا حادًا في الولاءات الحزبية والمناطقية، ما أدى إلى انقسام عميق أضعف من تماسكه الداخلي وجعل المجلس عاجزًا عن ممارسة دوره الفعلي في صنع القرار والتشريع فعلى الرغم من عقد اجتماع لهيئة رئاسة المجلس في يوليو، فإن هذه الخطوة لم تكن كافية لاستعادة الوحدة والتماسك المطلوبين للحفاظ على مؤسساتية المجلس.
بالتالي، يبرز مجلس النواب نموذجًا حيًا لكيفية انهيار المؤسساتية بفعل انعدام المشترك التنظيمي والتماسك الداخلي، مما يضعف قدرته على التكيف مع التحديات السياسية ويهدد استمرار وجوده كهيئة مؤسساتية فاعلة .