نهب مُقنّن: حين تُدار البلاد بمزاج الهوامير

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) السبت 28/يونيو/2025م
كتب/ عبدالله حسن قاسم
تتسم هذه البلاد بكرم الموارد وسخاء العطاء، غير أن استغلال هذه الخيرات بما يعود بالنفع على الجميع كان وما زال يمثّل معضلة مزمنة. فبينما يُفترض أن تُوزَّع بشكل عادل، تنحصر في أيدي فئة محدودة، في حين تُحرَم منها الأغلبية. لذا، لا يبدو مستغرَبًا أن نرى الثراء الفاحش والفقر المدقع متجاورَين على الرقعة ذاتها دون منطقة وسطى. هذا التفاوت الصارخ بين مَن يملك النفوذ ويحتكر الخيرات، ومَن يُحرَم منها، حوّل البلاد إلى مسرح لصراع بين طبقتين متقابلتين: طبقة تتربّع على الكعكة دون حساب، وأخرى تكابد من أجل البقاء على هامش الوجود.
الفساد، بطبيعته، لا يبدأ قويًا؛ يولد هشًّا، خافت الحضور، لكنّه يزدهر سريعًا في بيئة تغيب عنها الرقابة وتُغيَّب فيها المساءلة. ما كان في الأمس همسًا، أصبح اليوم واقعًا معلنًا، له وجوه وأذرع، يمارس أدواره في وضح النهار، دون حرج أو مواربة.
والمؤسف أن المناصب أصبحت، في حالات كثيرة، لا تُمنح لمن يحمل الكفاءة أو يملك رؤية إصلاحية، بل لمن يسعى لتوظيف الموقع لخدمة مصالحه الشخصية، حتى بات بعض المسؤولين يتسابقون لا في تقديم الحلول، بل في تضخيم أرصدتهم، واقتناء مظاهر الرفاهية، بينما تتدهور الخدمات، وتغيب التنمية، ويزداد الوضع سوءًا.
لم يعُد غريبًا أن ترى مسؤولًا على رأس مؤسسة حيوية لا تؤدي أي وظيفة حقيقية، أو محافظًا عاجزًا عن اتخاذ قرار ينهض بمحافظته، أو مديرًا للكهرباء في مدينة تغرق في الظلام. والأسوأ من ذلك أن يبقى هؤلاء في مواقعهم لسنوات، رغم إخفاقاتهم، في غياب تام لثقافة المحاسبة أو ثقافة الاستقالة.
في وقت سابق، كان بعض المسؤولين يتحلّون بشيء من النخوة؛ فإذا اصطدمت رؤاهم الإصلاحية بجدار المصالح والنفوذ، أعلنوا استقالاتهم احترامًا لأنفسهم ومواقفهم. أما اليوم، فقد باتت الكراسي أكثر التصاقًا، والضمائر أكثر غيابًا، والمصلحة العامة في ذيل الأولويات.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن كثيرًا من هؤلاء يخدمون هوامير الفساد لا الدولة. يضعون مصالح تلك القوى فوق كل اعتبار، وحين تُستنفد أدوارهم، يُستبعَدون بصمت، كما تُرمى الأدوات المستهلكة.
كان يمكن أن يتركوا أثرًا طيبًا، حتى بعد مغادرتهم، لو حافظوا على نزاهتهم وكفاءتهم. لكنهم اختاروا أن يكونوا جزءًا من المشكلة، لا من الحل.