مقالات وكتابات

ليس وطنًا… بل وليمة ناهبين

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) الجمعة 4/يوليو/2025م

كتب/ عبدالله حسن قاسم

في اليمن، لا يحتاج المواطن إلى تقارير فساد ليدرك حجم النهب، فالجوع كفيل بأن يُخبره بكل شيء. حين يغيب النهار، وتلفّ العتمة الأحياء، تخرج الوجوه الجائعة من صمتها، وتبدأ مسرحية الخيبة اليومية: أمّ تهدهد رضيعها لتُسكته بعد أن بلغ به الجوع حدًّا لا يُحتمل، وأطفال وكبار يفتشون في النفايات علّهم يعثرون على ما يخفف عناءهم، وموظف يحسب الأيام المتبقية على راتب قد لا يأتي، وإن أتى، فما عاد يكفي لخمسة أيام.

وفي الطرف الآخر من المشهد، مسؤول ينفق على “نبتة القات” في يوم ما لا تنفقه أسرة على طعام شهر، يقيم الولائم، ويركن سياراته الفارهة أمام القصور، كأن لا أزمة، لا شعب، ولا وطن يحتضر.

البلد الغني بالثروات غارق في فقرٍ مدقع، لا لعجزٍ في الموارد، بل لفجورٍ في السطو. المال العام يُهدر على ملذّات المسؤولين، بينما يموت الفقراء واقفين. تحوّلت الدولة إلى غنيمة، والشعب إلى جمهور صامت في حفلة نهبٍ كبرى.

وفيما يعاني الناس من انقطاع الكهرباء والماء، وتكدّس القمامة، وتدهور المستشفيات والمدارس، ينشغل المسؤولون بعدّ أرصدتهم، وتضخيم ممتلكاتهم في الخارج، وتوسيع مشاريعهم الخاصة، غير معنيين بتوفير خدمة واحدة تحترم المواطن أو تخفف عنه شيئًا من هذا البؤس. لا ماء، لا كهرباء، لا دواء… وكل ذلك يُدار بسياسة “أطعم الفساد وأخرس الحاجة”.

ليس فسادًا عابرًا، بل منظومة كاملة تُدير الخراب: من يسرقون، من يبررون، من يصفقون، ومن يسكتون. كلهم شركاء في جريمة مستمرة، ضحيتها شعبٌ يعاني، وطفولةٌ تتعفن في الشوارع، وجياعٌ بلا وطن، ومستقبل تم وأده.

كل شيء في هذا الوطن المنهوب ينطق بالخذلان: الطرقات تملؤها الحفر والمطبات، والمدارس مهملة، والبطون فارغة، والأحلام تموت قبل أن تولد. لا شيء يُنجز، ولا خدمة تُحترم، ولا كرامة تُصان.

المسؤول يشيد قصوره فوق أنقاض شعب بأكمله، ويبني مجده من رماد هذا الشعب، ويواصل العبث بثروات بلدٍ يئن تحت ركام الجوع والقهر. بينما يموت المواطن ألف مرة، يبتسم الفاسد بصفاقة، وكأن شيئًا لم يكن.

لم يبقَ في المشهد سوى شعبٍ مقهور، يواجه قبح الحياة بصدورٍ عارية، ووطنٍ تئن أرضه تحت أقدام الناهبين، بينما تتلوّى كرامة أبنائه في العراء.

هذا ليس وطنًا يُبنى… بل غنيمة تُذبح على مائدة الفساد كل يوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى