حين يخفي دخان المباخر ملامح المسؤولية

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) الجمعة 25/يوليو/2025م
كتبه/ عبدالله حسن قاسم
في مشهد لا يخلو من دلالة، دخل عبدالرزاق البغدادي على أحد الوزراء مادحًا:
“أنتَ العدل والفضل، ولو أنصفوك لساد وجه الأرض بعدلك!”
ابتسم الوزير، وألقى له دينارًا واحدًا.
فقال عبدالرزاق محتجًا:
“يا سيدي، هذا لا يكفي ثمن الورق!”
فجاء الرد هادئًا لكنه حاسمًا:
“ومن قال إن مدحك عندي أغلى من الورق؟”
خرج عبدالرزاق مطأطئ الرأس، وقد أدرك — ولو متأخرًا — أن من يبيع كلمته، يشتريها الناس بأرخص الأثمان.
هذه الحكاية القصيرة تختزل ببساطة واحدة من أكثر المظاهر خطورة في الحياة العامة: التملق مقابل المنفعة. الوزير في القصة لم ينخدع بالكلمات المنمقة، بل كان مدركًا تمامًا لحجمه، واعيًا لمزالق الثناء الزائف، وحريصًا على ألّا يفتح الباب أمام من “يُلمّع” لأجل المكاسب.
أما اليوم، فقد أُنتجت المئات من “نُسَخ عبدالرزاق”، بل الآلاف. لم يأتِ ذلك من فراغ، وإنما نتيجة بيئة مهيّأة لاحتضان المتملقين، في ظل غياب واضح للكفاءة والإرادة لدى كثير من المسؤولين. لم يعُد المنصب العام منصب خدمة، بل صار فرصة لتجميع الأبواق والمباخر، لتلميع الصورة ولو مؤقتًا.
في هذا المشهد، يبدو أن كثيرًا من أولي الأمر تناسوا أن المساحيق قد تُخفي القبح لحظة، لكنها لا تُغيّر الحقيقة. وما إن ينقشع الغبار، حتى يظهر الوجه الحقيقي، وقد احتشدت فيه كل علامات الفشل والقبح.
المدهش أن تكلفة التملق — رغم ظن البعض أنها رخيصة — في حقيقتها باهظة. ما يُنفق على شراء الولاءات، وخلق هالة زائفة، كان يمكن استثماره في مشاريع تنموية حقيقية تعود بالنفع على الجميع. لكن حين تُشترى الذمم وتُهان الفطرة السليمة، يصبح من العبث البحث عن النتائج.
ختامًا، تجلّت الخاتمة في قول الله تعالى:
“والذي خبث لا يخرج إلا نكِدًا”.
ولو أنهم أحسنوا، لأغنتهم أعمالهم عن التلميع… ولغدت صورهم نقية دون حاجة إلى أبواق.
