مقالات وكتابات

لماذا يدفع المواطن الثمن دائما؟

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) الثلاثاء 5/اغسطس/2025م

كتبه/عبدالله حسن قاسم

أعلن أحد التجار في مدينة سيئون تسعيرة جديدة، زاعمًا التفاعل مع انخفاض أسعار العملات الأجنبية أمام الريال اليمني. غير أن هذه التسعيرة لم تتجاوز الورق الذي كُتبت عليه، فقد تراجع عنها لاحقًا بطريقة تنمّ عن مماطلة مكشوفة وخداع سافر، لا يمتّ لأخلاقيات التجارة أو قواعد الكسب النزيه بصلة.

لقد كشفت العواصف المتلاحقة كثيرًا من الوجوه. أزالت الأقنعة، وأسقطت المساحيق، ووضعتنا أمام مشهد فجّ من الجشع الفطري الذي طالما اختبأ خلف بريق المال. في زمن لم تعد فيه الأخلاق معيارًا، باتت المسألة لا تتعلق بكيفية الكسب، بل بكمّيته، مهما كانت الوسيلة. لسنوات، مارس بعض التجار والصرافين أشكالًا بشعة من الاستغلال، نمت ثرواتهم من المضاربة بالعملة، فيما ظل المواطن الحلقة الأضعف، يدفع الثمن كل مرة. واليوم، حين جاء موعد الحساب، اختاروا أن يواجهوه بنفوذهم ومالهم، محاولين حرف مسار العدالة.

في الأيام الأخيرة، سجّل الريال السعودي تراجعًا كبيرًا أمام الريال اليمني، إذ انخفض من نحو 760 ريالًا إلى 430، أي بنسبة تجاوزت 42%. ومع ذلك، لم تنعكس هذه النسبة على أسعار السلع الأساسية. فلا الزبادي ولا الأرز ولا الحليب أو الزيت شهدت أي انخفاض يُذكر، وكأن الأسواق تعمل في اتجاه واحد فقط.

هذا التناقض يثير تساؤلات مشروعة: لماذا ترتفع الأسعار فورًا مع كل زيادة في سعر الصرف، بينما تظل ثابتة — بل أحيانًا تزداد — مع كل انخفاض؟ لماذا يُطلب من المواطن وحده أن يتحمل كلفة كل تغيير اقتصادي، في حين يُترك السوق ليمارس منطقه الخاص دون حسيب أو رقيب؟

ما يعيشه المواطن يوميًا يؤكد أن السوق لم يعد خاضعًا لمنطق العرض والطلب وحده، بل تحكمه ذهنية أقرب إلى “الاستغلال المنظّم”. فعند ارتفاع العملة، ترتفع الأسعار على الفور، وحين تنخفض، يظهر التبرير الجاهز: “المخزون القديم”، “تكاليف الشحن”، “ظروف الاستيراد”، وغيرها من الحجج التي أصبحت درعًا دائمًا لرفض أي تخفيض.

وهنا تتجاوز المشكلة البعد الاقتصادي لتصبح أزمة أخلاقية. فإذا كان الجميع يربح — من التاجر والمورّد إلى الصرّاف وربما بعض الجهات المتواطئة — والمواطن هو الخاسر الوحيد، فإن الوقت قد حان لإعادة النظر في قواعد اللعبة.

ورغم الحملات الإعلامية التي أطلقتها الجهات المعنية لضبط المخالفين، فإن التنفيذ على الأرض بقي محدودًا وخجولًا، ولم يسفر عن أثر ملموس. فمعظم تجار التجزئة تجاهلوا التسعيرة الجديدة، وإن التزموا بها، فقد كان التخفيض شكليًا لا يتجاوز 200 أو 300 ريال، وهو فارق لا يوازي مطلقًا نسبة التراجع في سعر الصرف.

المطلوب اليوم ليس بيانات وتصريحات عابرة، بل رقابة جادة وإرادة سياسية حقيقية تحمي المستهلك، وتكسر دائرة الاستغلال التي حوّلت حياة الناس إلى ساحة ابتزاز يومي. فالمواطن ليس مجرد رقم في معادلة اقتصادية، بل هو أساس الاستقرار الاجتماعي، وكرامته الاقتصادية يجب أن تُصان قبل أي اعتبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى