الحريزي يتضامن مع قبائل حضرموت: موقف قبلي أم اصطفاف سياسي؟(قراءة تحليلية)

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) السبت 23/اغسطس/2025م
في شرق اليمن، حيث تتشابك القبيلة بالسياسة، والداخل بالإقليمي، خرج صوت الشيخ علي سالم الحريزي من المهرة ليعلن تضامنه مع قبائل حضرموت. موقف أثار جدلاً واسعاً، لم يتوقف عند حدود التضامن القبلي، بل تعدّاه إلى ساحة الصراع الإعلامي والسياسي بين الرياض وأبوظبي ومسقط. كيف تناولت وسائل الإعلام هذا الموقف؟ وما الذي يكشفه من خريطة النفوذ في الشرق اليمني؟
أعلن الشيخ علي سالم الحريزي، رئيس لجنة الاعتصام السلمي في محافظة المهرة، تضامنه مع قبائل حضرموت في وجه ما وصفه بمحاولات الاستهداف الممنهج الذي يهدد استقرار المنطقة ويضرب في عمق النسيج الاجتماعي. وقد أثار هذا الموقف ردود فعل واسعة في مختلف وسائل الإعلام اليمنية والعربية، بين من اعتبره خطوة طبيعية نابعة من الروابط القبلية والتاريخية بين المهرة وحضرموت، ومن رآه اصطفافاً سياسياً محسوباً على صراع النفوذ الإقليمي.
في البداية، ركزت قناة المهرية على تغطية هذا الموقف باعتباره إعلاناً للتضامن والوقوف مع حلف قبائل حضرموت، حيث نقلت تحذيرات لجنة الاعتصام من مغبة استهداف القبائل وما قد يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار. في المقابل، أظهرت مواقع تحليلية أخرى مثل “Arabifactshub” جانباً مختلفاً من التغطية، إذ سلطت الضوء على الحملات الإعلامية المضادة التي شنها مؤيدو المجلس الانتقالي الجنوبي ومنصات محسوبة على الإمارات ضد الحريزي، متهمين إياه بالعمل لحساب الحوثيين أو خدمة الأجندة العُمانية، بينما أطلقت منصات أخرى حملات دعم مضادة دفاعاً عنه وعن مواقفه.
أما من حيث السياق الزمني، فقد سبقت هذا الموقف مواقف مشابهة. ففي مايو 2023 أورد موقع “المساء برس” أن قبائل حضرموت في الوادي والصحراء لوّحت بالتحالف مع المهرة تحت قيادة الشيخ الحريزي لمواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي، في خطوة رُبطت بمحاولات السعودية ضم حضرموت إلى نطاق نفوذها. وبعد ذلك بعامين، وتحديداً في فبراير 2025، كشف موقع “حضرموت نيوز” عن وجود تنسيق بين الحريزي واللواء قحطان المدعوم من عُمان، وهو ما فُسر بأنه جزء من تحرك أوسع لتعزيز النفوذ العُماني في شرق اليمن، الأمر الذي استدعى رداً مباشراً من السعودية عبر نشر قوات “درع الوطن” في المنطقة.
يظهر هذا التضامن إذاً ليس كموقف قبلي عابر، بل كحلقة جديدة في سلسلة من التفاعلات القبلية والسياسية التي تشهدها المهرة وحضرموت منذ سنوات. فمن الناحية القبلية، يسعى الحريزي إلى تأكيد وحدة الصف بين قبائل الشرق في مواجهة ما يُعرف بأنه محاولات لتفكيك نفوذهم التقليدي. أما سياسياً، فإن الموقف يعكس جزءاً من معادلة النفوذ بين ثلاث قوى إقليمية رئيسية: السعودية التي تسعى إلى بسط سيطرتها عبر دعم المجلس الانتقالي، الإمارات التي تتحرك عبر نفس المسار، وعُمان التي تراهن على دعم أطراف محلية مثل الحريزي للحفاظ على نفوذها الحدودي.
الإعلام بدوره لم يكن ناقلاً محايداً للحدث، بل تحول إلى أداة صراع بحد ذاته. فبينما أبرزت القنوات المناوئة للوجود السعودي الخطاب التضامني باعتباره دفاعاً عن السيادة والقبيلة، ركزت وسائل إعلام محسوبة على المجلس الانتقالي والإمارات على اتهام الحريزي بالتحالف مع الحوثيين أو الارتماء في الحضن العُماني. وفي المقابل، حاول الإعلام المحلي في المهرة التخفيف من حدّة الموقف، فقدم الحريزي باعتباره يسعى لحماية الاستقرار والأمن، متجنباً ذكر حضرموت بشكل مباشر.
إن تضامن الشيخ علي سالم الحريزي مع قبائل حضرموت لم يأت في فراغ، بل شكّل امتداداً لمواقف سابقة عكست حالة من التداخل بين المحلي والقبلي من جهة، والإقليمي والدولي من جهة أخرى. وبالنظر إلى المسار الحالي، فإن هذا التضامن قد يتطور إلى تحالف قبلي واسع يغيّر موازين القوى شرق اليمن، وقد يبقى في حدود ورقة ضغط سياسية وإعلامية تستخدمها الأطراف في لعبة النفوذ. وبين هذين الاحتمالين، ستظل التغطية الإعلامية هي المرآة التي تكشف طبيعة الصراع وتوجه الرأي العام نحو أحد هذين المسارين.
