مقالات وكتابات

أحياناََ يكون ديكتاتور الشعب هو الشعب نفسه (٢)

(#وكالة_الأنباء_الحضرمية) الثلاثاء 28/أكتوبر/2025م

كتب / عبدالرحمن علي باضاوي

تحدثت في مقال سابق عن تشارك الشعب في صنع الديكتاتور في بعض الأحيان ، وقمت بذكر وشرح بعض نقاط التي من خلالها ينشئ الطاغية من تحت وليس من فوق مثل ( الجهل – التطبيل والدعاية ) ورأيت كمية ترابط خيوط الافكار ، مما كونت لنا صورة شبه مكتملة عن كيفية او الية بناء القاعدة الشمولية المتغطرسة من قبل الشعب ، ومن خلال هذا السياق سأقوم بإكمال النقاط ( النتائج ) التي لم اكملها في مقالي السابق..!

ثالثاََ التساهل الثقافي

التساهل الثقافي هو عندما يتعود الناس على قبول كل شيء من غير تفكير ، ويصبح الخطأ عاديا والسطحية مقبولة ، في هذه الحالة يبدأ المجتمع بفقدان إحساسه بما هو جيد وما هو رديء، فلا يعود يفرق بين الثقافة التي ترفع الوعي ، والثقافة التي تملأ الوقت فقط ، في هذا الجو يجد الطاغية فرصته ، فالجمهور الذي لا يسأل ولا يناقش هو جمهور سهل القيادة ، يبدأ بقبول الاستبداد على شكل مزاح أو دعاية أو شعارات جميلة، حتى يصبح واقعًا طبيعياََ ومن خلال هذا السياق يصبح التساهل الثقافي لا ينتج الديكتاتور مباشرة ولكنه يمهد له الطريق ، لأن المجتمع الذي لا يحترم فكره وثقافته ، سيسمح لأي شخص أن يفكر ويقرر عنه..!

رابعاََ ازدراء العلوم الإنسانية

حين يقل تقدير المجتمع للعلوم الإنسانية مثل الفلسفة والتاريخ ، وعلم الاجتماع والسياسة ، فإنه يضعف قدرته على فهم نفسه والعالم من حوله ، هذه العلوم هي التي تنمي التفكير النقدي ، وتدرب الناس على طرح الأسئلة ، وتحليل الخطاب السياسي وعدم قبول الأفكار الجاهزة دون تمحيص ، ولكن عندما تهمش هذه العلوم ، ويتعود الناس على الاكتفاء بالمعلومة السريعة أو الرأي الجاهز ، يصبح الوعي الجمعي هشا وسهل التوجيه ، وهنا يجد الديكتاتور أرضاََ خصبة ، فشعب لا يفكر كثيرا ولا يجادل، يسهل إقناعه بالشعارات والوعود ، وإن ازدراء العلوم الإنسانية لا يصنع الطاغية بيده ، لكنه يزيل الحواجز التي تمنع ظهوره ، فحين يغيب الحوار ويضعف النقد ويتراجع احترام الفكر، يتحول المجتمع من بيئة حرة إلى أرض مهيأة لولادة الاستبداد…!

وفي نهاية الأمر ان الديكتاتور ليس مجرد شخص يجلس على عرش السلطة بل هو فكرة مغروسة في وعي الجماعة ، تنمو بصمت مع كل تبرير للظلم وكل تصفيق للباطل ، وكل سكوت عن الخطأ ، فحين يعتاد المجتمع على المجاملة في وجه القسوة ، وعلى الصمت أمام الانتهاك ، فإنه يصنع من نفسه سلطة تراقبه وتخيفه، قبل أن يخاف من أي حاكم…!

وهنا قد اكتملت الصورة التي كانت شبة كاملة ، وشكل ترابط الافكار والمعاني والمحاور حقيقة تشارك الشعب في صناعة النظام ، وأيضا وصلت لنتيجة سؤالي والمسبب للمقال الا وهو ( كيف لشعب يريد ان يحكمه نظام لا يرغب به) ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى